لم تكن حركة شقيق رئيس الحكومة السابق بهاء الحريري عابرة، ولا إستعداده للدخول في معترك الحياة السياسية اللبنانية بسيطاً، بل يحمل مؤشرات ستتّضح يوماً بعد يوم. لكن الأسئلة تزاحمت حول مدى الإحتضان اللبناني لإنطلاقة "الشيخ بهاء" السياسية، والدفع المعنوي الخارجي الذي تلقّاه: هل تدعمه واشنطن؟ ما هو رأي الدول الخليجية العربية بحراك "الشيخ بهاء"؟ هل تقف باريس على الحياد بينه وبين شقيقه؟ ماذا بشأن ما يواجهه من أدوار مستجدة تسعى تركيا للعبها وملء الفراغ السعودي في لبنان؟.
السيناريوهات مفتوحة على مختلف الإتجاهات، لكن المعلوم الوحيد أن بهاء الحريري إتّخذ قرار العودة الى لبنان ووضع كل ثقله المعنوي والسياسي والمادي قبل موعد الإنتخابات النيابية التي سيخوضها بلوائح وتحالفات تطال كل الدوائر الانتخابية.
أتى تمدد فايروس كورونا ليجمّد خطوات "الشيخ بهاء" موقتاً، كما يقول سياسيون يسوّقون لفرضه وصيّاً على نهج والده الشهيد رفيق الحريري، وبالتالي تزعّم الساحة السنية. لا موعد تحدّد لعودته الى بيروت، بإنتظار مستجدّات الفايروس وتداعيات انتشاره. هل يعني ذلك أن الموعد لا تعيقه مطبّات سياسية؟ يجيب السياسيون أنفسهم: نعم، بكل تأكيد أصبحت الأمور جاهزة لإعلان الإنطلاقة البهائية الحريرية من بيروت، واتّباع ذات العناوين والسياسات والسبل التي كان "الشيخ رفيق" يعتمدها في يومياته اللبنانية. من هم حلفاء بهاء الحريري؟ لا جواب بعد، لكنه سيعلن انفتاحه على كل القوى السياسية من دون استثناء. وما هو الهدف؟ يأتي الجواب: إستكمال نهج والده الشهيد. ألا يتابعها شقيقه سعد الحريري: الجواب عند السياسيين انفسهم: لقد اخذ فرصته، أنظروا ما هي النتائج الآن.
واذا كان الداخل اللبناني مربكاً بالفعل في المفاضلة بين شقيقين قررا خوض غمار السياسة ضد بعضهما، كما توحي المعطيات الحالية. لكن معظم القوى السياسية اعتادت على التعامل مع رئيس تيار "المستقبل" الحالي. لأن "الشيخ سعد" تمرّس في الشأن العام، وفرض نفسه زعيماً قادراً على إمساك الشارع، لكنه "أخطأ" في الحسابات السياسية ودفع ثمن أخطائه بُعداً طوعياً عن السلطة، في وقت عصفت بالبلاد أزمات إقتصادية بانت عند مؤسسات الحريري الإعلامية والتنموية والاعمارية وغيرها.
سيجد "الشيخ بهاء" أمامه مساحة خصبة للإنطلاق، مكوّنة من إعلاميين صُرفوا من تلفزيون "المستقبل"، وموظفين لم يستطع الحريري تأمين رواتبهم في مؤسساته مثل "سعودي أوجيه"، وغيرها، وشباب خذلتهم الوقائع السياسية في السنوات الماضية بعد التكويعات المتكررة السريعة التي مارسها سعد الحريري خلال قيادته السياسية، ولا سيما علاقته برئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل التي تراوحت بين الحلف العميق والخصومة الشديدة.
لكن بهاء الحريري لن يجد بيروت كما كانت أيام والده، ولا في وقت استلام شقيقه مفتاح تمثيلها، فقد تغيّر مزاج الناس فيها، كما بيّنت نتائج الإنتخابات النيابية الماضية التي ادت الى فوز خصوم تيار "المستقبل"، وصار رئيس حزب "الحوار الوطني" فؤاد مخزومي نائباً بأصوات البيارتة، وكاد أن يقود كتلة نيابية قد يستولدها، كما يوحي خط سياساته البياني المنسجم مع خطاب المعارضة الشعبية.
ولن يجد طرابلس هي نفسها بعد تراجع شعبية "التيار الأزرق" كما أظهرت أيضا نتائج الإنتخابات النيابية التي توّجت رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي زعيماً سياسياً في الفيحاء، ويتمدّد نحو باقي مناطق الشمال، رغم مشاكسته من بعض القوى القلقة من تمدّده، فتُرسل مجموعات ألى أمام منزله. كما أن تعدّد الأقطاب في المدينة الشمالية يُظهر أن القواعد الشعبية فيها متحركة سياسياً وغير ثابتة، خصوصاً نتيجة دخول تركيا إلى الشمال عبر شخصيات ومجموعات إسلامية. وهنا يردد مطّلعون ان بهاء الحريري يسحب البساط التركي في الشمال وبيروت تدريجياً بإستمالة أنصار انقره الى جانبه.
الى صيدا ايضا، لا تيار "المستقبل" ولا غيره يستطيعون الإدعاء أنهم يمثلون المدينة الجنوبية، بدليل نتائج الإنتخابات النيابية التي أعادت التيار "الشعبي الناصري" الى الواجهة بقوة شعبية تتعزز الآن مع تزايد النقمة على السياسات الحكومية السابقة.
اما البقاع في أوسطه وجنوبه(الغربي)، ففرض النائب عبدالرحيم مراد نفسه زعيماً سياسياً ويتابع نجله الوزير السابق حسن مراد خطى والده بنشاط واعد.
مما يعني أن مهمة "الشيخ بهاء" لن تكون سهلة، ما لم يتعاون او يتحالف مع أحد أركان السياسة في كل منطقة لبنانية، وهو ما زال أمراً ضبابي الرؤية بإنتظار معرفة جديته وقدرته على إمساك زمام اللعبة السياسية، وجذب مناصرين في الساحة السنية.
لكن الأهم، هي الإشارات الخارجية الآتية من الولايات المتحدة الاميركية التي توحي بأن هناك دعماً أميركياً لخطوة بهاء الحريري، ويرى المطلعون انفسهم انها ستتعزز في حال وصول الديمقراطيين الى رئاسة الولايات المتحدة. ويتحدث المطّلعون عن علاقة تجمع قياديين في الحزب الديمقراطي الأميركي وبهاء الحريري تظهّرت منذ عام ٢٠١١، يوم شارك جو بايدن شخصياً في حفل في واشنطن تسلم خلاله بهاء الحريري جائزة تكريمية بعد افتتاح مركز رفيق الحريري. ومن يومها، يميل الديمقراطيون نحو دعم بهاء الحريري. وفي حال وصل بايدن الى سدة الرئاسة الأميركية ستكون خطوات الدعم الأميركي للشيخ بهاء افعل. وربما، هذا ما شجّع على محاولة استغلال الأجواء الدولية التي تخلو من أي دعم لشقيقه سعد في ظل ظروف لبنانية مؤاتية للتغيير.
اما الاقليم، فلم يظهر اي اشارة تجاه خطوات بهاء، لكن مشاريعه الاقتصادية في الأردن تؤكد حسن علاقته مع المملكة الهاشمية، وبالتالي فإن إشارات الدعم من حلفاء الامارات العربية توحي بأن ابوظبي لا تمانع خطوة بهاء، اما السعودية فالصمت يسود فيها بشأن اي عنوان لبناني، لأن ولي العهد محمد بن سلمان لا يعطي اي إهتمام للبنان الآن. وبالإنتظار، هل يحصل بهاء على دعم سوري ضمني بالتنسيق مع الإمارات والسعودية؟ كل شيء وارد.